فصل: الخبر عن أولاد منديل من الطبقة الثانية وما أعادوا لقومهم مغراوة من الملك بموطنهم الأول من شلب وما إليه من نواحي المغرب الأوسط:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن أولاد منديل من الطبقة الثانية وما أعادوا لقومهم مغراوة من الملك بموطنهم الأول من شلب وما إليه من نواحي المغرب الأوسط:

لما ذهب الملك من مغراوة بانقراض ملوكهم آل خزر واضمحلت دولتهم بتلمسان وسجلماسة وفاس وطرابلس وبقيت قبائل مغراوة متفرقة في مواطنها الأولى لنواحي المغربين وإفريقية بالصحراء والتلول والكثير منهم بعنصرهم ومركزهم الأول بوطن شلف وما إليه فكان به بنو ورسيفان وبنو يرنا وبنو ينلت ويقال إنهم من وترمار وبنو سعيد وبنو زحاك وبنو سنجاس وربما يقال إنهم من زناتة وليسوا من مغراوة وكان بنو خزرون الملوك بطرابلس لما انقرض أمرهم وافترقوا في البلاد ولحق منهم عبد الصمد بن محمد بن خزرون بجبل أوراس فرارا من أهل بيته هنالك الذين استولوا علي الأمر وجده خزرون بن خليفة السادس من ملوكهم بطرابلس فأقام بينهم أعواما ثم ارتحل عنهم فنزل على بقايا قومه مغراوة بشلف من بني ورسيفان وبني ورتزمين وبني بو سعيد وغيرهم فتلفوهم بالمبرة والكرامة وأوجبوا له حق البيت الذي ينسب إليه فيهم وأصهر إليهم فأنكحوه وكثر ولده وعرفوا بينهم ببني محمد ثم بالخزرية نسبة إلى سلفه الأول وكان من ولده الملقب أبو ناس بن عبد الصمد بن ورجيع بن عبد الصمد وكان منتحلا للعبادة والخيربة وأصهر إليه بعض ولد ماخوخ ملوك بنى وماتوا بابنته فأنكحه إياها فعظم أمره عندهم بقومه ونسبه وصهره وجاء دولة الموحدين على أثر ذلك فرمقوه بعين التجلة لما كان عليه من طرق الخير فأقطعوه بوادي شلف وأقام على ذلك وكان له من الولد ورجيع وهو كبيرهم وغربي ولغريات وماكور ومن بنت ماخوخ عبد الرحمن وكان أجلهم شأنا عنده وعند قومه عبد الرحمن هذا لما يوجبون له بولادة ماخوخ لأمه ويتفرسون فيه أن له ولعقبه ملكا.
وزعموا أنه لما ولد خرجت به أمه إلى الصحراء فألقته إلى شجرة وذهبت في بعض حاجاتها فأطاف به يعسوب من النحل متواقعين عليه وبصرت به على البعد فجاءت تعدو لما أدبهها من الشفقة فقال لها بعض العارفين: خففي عنك فو الله ليكونن لهذا شأن ونشأ عبد الرحمن هذا في جو هذه التجلة مدلا بنسبه وبأسه وكثرت عشيرته من بنى أبيه واعصوصب عليه قبائل مغراوة فكان له بذلك شوكة وفي دولة الموحدين تقدمة لما كان يوجب لهم على نفسه من الانحياش والمخالطة والتقدم في مذاهب الطاعة وكان السادة منم يمرون به غزواتهم إلى إفريقية ذاهبين وجائين فينزلون منه خير نزل وينقلبون بحمده والشكر لمذهبه فيزيد خلفاؤهم اغتباطا به وأدرك بعض السادة وهو بأرض قومه الخبر بمهلك الخليفة بمراكش فخلف الذخيرة والظهر وأسلمها لعبد الرحمن هذا ونجا بدمائه بعد أن صحبه إلى تخوم وطنه فكانت له بها ثروة أكسبته قوة وكثرة فاستركب من قومه واستكثر من عصابته وعشيرته وهلك خلال ذلك وقد فشل ريح بني عبد المؤمن وضعف أمر الخليفة بمراكش.
وكان له من الولد منديل وتميم وكان أكبرهما منديل فقام بأمر قومه على حين عصفت رياح الفتنة ولهما لمنديل أمل في التغلب على ما يليه فاستأسد في عرينه وحامى عن أشباله ثم فسح خطوته إلى ما جاوره من البلاد فملك جبل وانشريس والمرية وما إلى ذلك واختط قصبة مرات وكان بسيط متيجة لهذا العهد في العمران آهلا بالقرى والأمصار.
ونقل الأخباريون أن أهل متيجة لذلك العهد يجمعون في ثلاثين مصرا فجاس خلالها وأوطأ الغارات ساحتها وخرب عمرانها حتى تركها خاوية على عروشها وهو في ذلك يوهم التمسك بطاعة الموحدين وأنه سلم لمن سالمهم حرب لمن عاداهم وكان ابن غانية منذ غلبه الموحدون عن إفريقية قد أزاحوه إلى قابس وما إليها فنزل الشيخ أبو عمد بن أبي حفص بتونس ودفعه إلى إفريقية إلى أن هلك سنة ثمان عشرة وستمائة فطمع يحيى بن غانية في استرجاع أمره وسبق إلى الثغور والأمصار يعبث فيها ويخربها ثم تجاوز إفريقية إلى بلاد زناتة وشن عليها الغارات واكتسح البسائط وتكررت الوقائع بينه وبينهم فجمع له منديل بن عبد الرحمن ولقيه بمتيجة وكانت الدائرة عليه وانفضت عنه مغراوة فقتله ابن غانية صبرا سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين وستمائة وتغلب على الجزائز أثر نكبته فصلب شلوه بها وصيره مثلا للآخرين وقام بأمره في قومه بنوه وكان منجبا فكان لهم العدد والشرف وكانوا يرجعون في أمرهم إلى كبيرهم العباس فتقلد مذاهب أبيه واقتصر على بلاد متيجة ثم غلبهم بنو توجين على جبل وانشريس وضواحي المرية وما إلى ذلك وانقبضوا إلى مركزهم الأول شلف وأقاموا فيها ملكا بدويا لم يفارقوا فيه الظعن والخيام والضواحي والبسائط واستولى على مدينة مليانة وتنس وبرشك وشرشال مقيمين فيها للدعوة الحفصية واختطوا قرية مازونة.
ولما استوسق الملك بتلمسان ليغمراسن بن زيان واستفحل سلطانه بها وعقد له ولأخيه من قبله عبد المؤمن على التغلب على أعمال المغرب الأوسط وزاحم بني توجين وبني منديل هؤلاء بمكناسة فلفتوا وجوههم جميعا إلى الأمير أبي زكريا بن أبي حفص مديل الدولة بأفريقية من بني عبد المؤمن وبعثوا إليه الصريخ على يغمراسن فاحتشد لهم جميع الموحدين والعرب وغزا تلمسان وافتتحها كما ذكرناه.
ولما قفل إلى الحضرة عقد في مرجعه لأمراء زناتة كل على قومه ووطنه فعقد للعباس ابن منديل على مغراوة ولعبد القوي على توجين ولاولاد حورة على ملكيش وسوغ لهم اتخاذ الآلة فاتخذوها بمشهد منه وعقد العباس السلم مع يغمراسن ووفد عليه بتلمسان فلقاه مبرة وتكريما وذهب عنه بعدها مغاصبا يقال إنه تحدث بمجلسه يوما فزعم أنه رأى فارسا واحدا يقاتل مائتين من الفرسان فنكر ذلك من معه من بنى عبد الواد ومضوا بتكذيبه فخرج العباس لها مغاضبا حتى أتى بقومه وأتى يغمراسن مصداق قوله فإنه كان يعني بذلك الفارس نفسه.
وهلك العباس لخمس وعشرين سنة بعد أبيه سنة سبع وأربعين وستمائة وقام بالأمر بعده أخوه محمد بن منديل وصلحت الحال بينه وبين يغمراسن وصاروا إلى الاتفاق والمهادنة ونفر معه بقومه مغراوة إلى غزو المغرب سنة كلومان وهي سنة سبع وأربعين وستمائة هزمهم فيها يعقوب بن عبد الحق فرجعوا إلى أوطانهم وعاودوا شأنهم في العداوة وانتقض عليهم أهل مليانة وخلعوا الطاعة الحفصية.
وكان من خبر هذا الانتقاض أن أبا العباس أحمد الملياني كان كبير وقته علما ودينا ورواية وكان عالي السند في الحديث فرحل إليه الأعلام وأخذ عنه الأئمة وأوفت به الشهرة على ثنايا السيادة فانتهت إليه رياسة بلده على عهد يعقوب المنصور وبنيه ونشأ ابنه أبو علي في جو هذه العناية وكان جموحا للرياسة طامحا للاستبداد وهو مع ذلك خلو من المغارم فلما هلك أبوه جرى في شأو رياسته طلقا لما رأى ما بين مغراوة وبنى عبد الواد من الفتنة فحدثته نفسه بالاستبداد ببلده فجمع لها جراميزه وقطع الدعاء للخليفة المستنصر سنة تسع وخمسين وستماثة وبلغ الخبر إلى تونس فسرح الخليفة أخاه في عسكر من الموحدين في جملته دون الديك بن هرنزة من آل أدفونش ملوك الجلالقة كان نازعا إليه عن أبيه في طائفة من قومه فنازلوا مليانة أياما وداخل السلطان طائفة من مشيخة البلد المنحرفين عن ابن المليلاني فسرب إليهم جنودا بالليل واقتحموها من بعض المداخل وفر أبو المليلاني تحت الليل وخرج من بعض قنوات البلد فلحق بأحياء العرب ونزل على يعقوب بن موسى بن العطاف من بطون زغبة فأجاره إلى أن لحق بعدها بيعقوب بن عبد الحق فكان من أمره ما ذكرناه في أخبارهم وانصرف عسكر الموحدين والأمير أبو حفص إلى الحضرة وعقد لمحمد بن منديل على مليانة فأقام بها الدعوة الحفصية على سنن قومه ثم هلك محمد بن منديل سنة اثنتين وستين وستمائة لخمس عشرة من ولايته قتله أخواه ثابت وعابد بمنزل ظواعنهم بالخيس من بسيط بلادهم وقتل معه عطية ابن أخيه منيف وقد عابد وشاركه ثابت في الأمر واجتمع إليه قومه وتقطع ما بين أولاد منديل وخشنت صدورهم واستغلظ يغمراسن بن زيان عليهم وداخله عمر بن منديل في أن يمكنه من مليانة وبشد عضده على رياسة قومه فشارطه على ذلك وأمكنه من أزمة البلد سنة ثمان وستين وستمائة ونادى بعزل ثابت ومؤازرة عمر على الأمر فتم لهما ما أحكماه من أمرهما في مغراوة واستمكن بها يغمراسن من قيادة قومه ثم تناغى أولاد منديل في الازدلاف إلى يغمراسن بمثلها نكاية لعمر فاتفق ثابت وعابد أولاد منديل أن يحكماه من تونس فأمكناه منها سنة اثنتين وسبعين وستمائة على اثني عشر ألفا من الذهب.
واستمرت ولاية عمر إلى أن هلك سنة ست وسبعين وستمائة فاستقل ثابت بن منديل برياسة مغراوة وأجاز عابد أخوه إلى الأندلس للرباط والجهاد مع صاحبيه زيان بن عمد بن عبد القوي وعبد الملك بن يغمراسن فحول زناتة واسترجع ثابت بلاد تونس ومليانة من يد يغمراسن ونبذ إليه العهد ثم استغلظ يغمراسن عليهم واسترد تونس سنة إحدى وثمانين وستمائة بين يدي مهلكه.
ولما هلك يغمراسن وقام بالأمر بعده ابنه عثمان انتقضت عليه تونس ثم ردد الغزو إلى بلاد توجين ومغراوة حتى غلبهم آخرا على ما بأيديهم وملك المرية بمداخلة بني لمدية أهلها سنة سبع وثمانين وستمائة وغلب ثابت بن منديل على مازونة فاستولى عليها ثم نزل له عن تونس أيضا فملكها ولم يزل عثمان مراغما لهم إلى أن زحف إليهم سنة ثلاث وتسعين وستمائة فاستولى على أمصارهم وضواحيهم وأخرجهم عنها وألجأهم إلى الجبال ودخل ثابت بن منديل إلى برشك ممانعا دونها فزحف إليهم عثمان وحاصره بها حتى إذا استيقن أنه محاط به ركب البحر إلى المغرب ونزل على يوسف بن يعقوب سلطان مرين صريخا سنة أربع وتسعين وستمائة فأكرمه ووعده بالنصرة من عدوه وأقام بفاس وكانت بينه وبين ابن أشهب من رجالات بني عسكر صحبة ومداخلة فجاءه بعض الأيام إلى منزله ودخل عليه من غير اسثئذان وكان ابن الاشهب ثملا فسطا به وقتله وثأر السلطان به منه وانفجع لموته وكان ثابت بن منديل قد أقام ابنه محمد الأمير في قومه وولاه عليهم لعهده واستبد بملك مغراوة دونه.
ولما انصرف أبوه ثابت إلى قومه أقام هو في إمارته على مغراوة وهلك قريبا من مهلك أبيه فقام بأمرهم من بعده شقيقه علي ونازعه الأمر أخواه رحمون ومنيف فقتله منيف ونكر ذلك قومها وأبوا من إمارتهما عليهم ظنا بعثمان بن يغميراسن فأجازهما إلى الأندلس.
وكان أخوهما معمر بن ثابت قائدا على الغزاة بالعزة فنزل لمنيف عنها فكانت أول ولاية وليها بالأندلس ولحق بهم أخوهم عبد المؤمن فكانوا جميعا هنالك ومن أعقاب عبد المؤمن يعقوب بن زيان بن عبد المؤمن ومن أعقاب منيف بن عمر بن منيف وجماعة منهم لهذا العهد بالأندلس.
ولما هلك ثابت بن منديل سنة أربع وتسعين وستمائة كما قلناه كفل السلطان ولده وأهله وكان فيهم حافده راشد بن محمد فأصهر إليه في أخته فأنكحه إياها ونهض إلى تلمسان سنة ثمان وتسعين وستمائة فأناخ عليها واختط مدينته لحصارها وسرح عساكره في نواحيها وعقد على مغراوة وشلف لعمر بن يعزن بن منديل وبعث معه جيشا ففتح مليانة وتونس ومازونة سنة تسع وتسعين وستمائة ووجد راشد في نفسه إذ لم يوله على قومه وكان يرى أنه الأحق لنسبه وظهره فنزع عن السلطان ولحق بجبال متيجة ودس إلى أوليائه من مغراوة حتى وجد فيهم الدخلة فأجد السير ولحق بهم فافترق أمر مغراوة وداخل أهل مازونة فانتقضوا على السلطان وبعت عمر بن يعزن بأزمور من ضواحي بلادهم فقتله واجتمع عليه قومه وسرح السلطان إليه الكتائب من بني عسكر لنظر الحسن بن علي بن أبي الطلاق ومن بني ورتاجن لنظر علف بن محمد الخير ومن بني توجين لنظر أبي بكر بن إبراهيم بن عبد القوي ومن الجند لنظر علي بن حسان الصبحي من صنائعه وعقد على مغراوة لمحمد بن عمر بن منديل وزحفوا إلى مازونة وقد ضبطها راشد وخلف عليها عليا وحمو إبني عمه يحيى بن ثابت ولحق هو ببني بو سعيد مطلا عليهم وأناخت العساكر على مازونة ووالوا عليها الحصار سنين حتى أجهدوهم وبعث بن يحيى أخاه حمو إلى السلطان من غير عهد فتقبض عليه ثم اضطره الجهد إلى مركب الغرور فخرج إليهم ملقيا بيده سنة ثلاث وسبعمائة وأشخصوه إلى السلطان فعفا عنه واستبقاه واحتسبها تأنيسا واستمالة لراشد ثم سرح العساكر إلى قاصية الشرق لنظر أخيه أبي يحيى بن يعقوب فنازل راشد بن محمد في معقل بني بو سعيد وطال حصاره إياه وأمكنته الغرة بعض الأيام في العساكر وقد تعلقوا بأوعار البلد زاحفين إليه فهزمهم وهلك في تلك الواقعة خلق من بني مرين وعساكر السلطان وذلك سنة أربع وسبعمائة وبلغ الخبر إلى السلطان فأحفظه ذلك عليهم وأمر بابن عمه علي بن يحيى وأخيه حمو ومن معهم من قومهم فقتلوا رشقا بالسهام واستلحمهم.
ثم سرح أخاه أبا يحيى بن يعقوب ثانية سنة أربع وسبعمائة فاستولى على بلاد مغراوة ولحق راشد بجبال صنهاجة من متيجة ومعه عمه منيف بن ثابت ومن اجتمع إليهم من قومهم فنازلهم أبو يحيى بن يعقوب وراسل راشد يوسف بن يعقوب فانعقدت بينهما السلم ورجعت العساكر عنهم وأجاز منيف بن ثابت معه بنيه وعشيرته إلى الأندلس فاستقروا هنالك آخر الأيام.
ولما هلك يوسف بن يعقوب بمناخه على تلمسان آخر سنة ست وسبعمائة انعقدت السلم بين حافده أبي ثابت وبين أبي زيان بن عثمان سلطان بني عبد الواد على أن يخلي له بنو مرين عن جميع ما ملكوه من أمصارهم وأعمالهم وثغورهم وبعثوا في حاميتهم وعمالهم وأسلموها لعمال أبي زيان وكان راشد قد طمع في استرجاع بلاده وزحف إلى مليانة فأحاط بها فلما نزل عنها بنو مرين لأبي زيان وصارت مليانة وتونس له أخفق سعي راشد وأفرج عن البلد ثم كان مهلك أبي زيان قريبا وولى أخوه أبو حمو موسى بن عثمان واستولى على المغرب الأوسط فهلك تافريكت سنة سبع وسبعمائة وملك بعدها مليانة والمرية ثم ملك تونس وعقد عليها لمولاه مسامح وقارن ذلك حركة صاحب بجاية السلطان أبي البقاء خالد ابن مولانا الأمير أبي زكريا ابن السلطان أبي اسحق إلى متيجة لاسترجاع الجزائر من يد ابن علان الثاثر بها عليهم فلقيه هنالك راشد بن محمد وصار في جملته وظاهره على شأنه ولقاه السلطان تكرمة وبرا وعقد له ولقومه حلفا مع صنهاجة أولياء الدولة والمتغلبين على ضاحية بجاية وجبال زواوة فاتصلت يد راشد بيد زعيمهم يعقوب بن خلوف أحد زعماء الدولة.
ولما نهض السلطان للاستيثار بملك الحضرة بتونس استعمل يعقوب بن خلوف على بجاية وعسكر معه راشد بقومه وأبلى في الحروب بين يديه وأغنى في مظاهرة أوليائه حتى إذا ملك حضرتهم واستولى على تراث سلفهم أسف حاجب الدولة راشد هذا وقومه بامضاء الحكم في بعض حشمه وتعرض للحرابة في السابلة فتفبض عليه ورفع إلى سدة السلطان فأمضى فيه حكم الله وذهب راشد مغاضبا ولحق بوليه ابن خلوف ومضطر به من زواوة وكان يعقوب بن خلوف قد هلك وولى السلطان مكانه ابنه عبد الرحمن فلم يرع حق أبيه في إكرام صديقه راشد وتشاجر معه في بعض الأيام مشاجرة نكر عبد الرحمن فيها ملاحاة راشد له وأنف منها وأدل فيها راشد بمكانه من الدولة وببأس عمه فلدغه بالقول وتناوله عبد الرحمن وحشمه وخزا بالرماح إلى أن أقعصوه وانذعر جمع مغراوة ولحقوا بالثغور القاصية وأقفر منهم شلف وما إليه كأن لم يكونوا به فأجاز منهم بنو منيف وبنو يعزن إلى الأندلس للمرابطة بثغور المسلمين فكانت منهم عصابة موطنة هناك أعقابهم لهذا العهد وأقام في جوار الموحدين فل آخر من أوساط قومهم كانوا شوكة في عساكر الدولة إلى أن انقرضوا ولحق على بن راشد بعمته في قصر بني يعقوب بن عبد الحق فكفلته وصار أولاد منديل غضبا إلى وطن بني مرين فتولوهم وأحسنوا جوارهم وأصهروا إليهم سائر الدولة إلى أن تغلب السلطان أبو الحسن على المغرب الأوسط ومحا دولة آل زيان وجمع كلمة زناتة وانتظم مع بلادهم بلاد إفريقية وعمل الموحدين وكانت نكبته على القيروان سنة تسع وأربعين وسبعمائة كما شرحناه قبل فانتقضت العمالات والأطراف وافترى أعياض الملك بمواطنهم الأولى فتوثب علي بن راشد بن محمد بن ثابت بن منديل على بلاد شلف وتملكها وتغلب على أمصارها مليانة وتنس وبرشك وشرشال وأعاد ما كان لسلفه بها من الملك على طريقتهم البدوية وأرهفوا حدهم لمن طالبهم من القبائل.
وخلص السلطان أبو الحسن من ورطته إلى إفريقية ثم من ورطة البحر من مرسى الجزائر إلى بجاية يحاول استرجاع ملكه المفرق فبعث إلى علي بن راشد وذكره ذمتهم فتذكر وحن واشترط لنفسه التجافي له عن ملك قومه بشلف على أن يظاهره على بني عبد الواد فأبى السلطان أبو الحسن من اشتراط ذلك له فتحيز عنه إلى فينة بني عبد الواد الناجمين بتلمسان كما ذكرناه قبل وظاهرهم عليه وبرز إليهم السلطان أبو الحسن من الجزائر والتقى الجمعان بشربونة سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فاختلف مصاف السلطان أبي الحسن وانهزم جمعه وهلك ابنه الناصر وطاح دمه في مغراوة وهؤلاء وخرج إلى الصحراء ولحق منها بالمغرب الأقصى كما نذكره بعد وتطاول الناجون بتلمسان من آل يغمراسن إلى انتظام بلاد مغراوة في ملكهم كما كان لسلفهم فنهض إليهم بعساكر بني عبد الواد رديف سلطانهم وأخوه أبو ثابت الزعيم ابن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن فأوطأ قومه بلاد مغراوة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وفل جموعهم وغلبهم على الضاحية والأمصار وأحجر علي بن راشد بتنس في شرذمة من قومه وأناخ بعساكره عليه وطال الحصار ووقع الغلب ولما رأى على بن رشد أن قد أحيط به دخل إلى زاوية من زوايا قصره انتبذ فيها عن الناس وذبح نفسه بحد حسامه وصار مثلا وحديثا للآخرين واقتحم البلد لحينه واستلحم من عز عليه من مغراوة ونجا الآخرون إلى أطراف الأرض ولحقوا بأهل الدول فاستركبوا واستلحقوا وصاروا جندا للدول وأتباعا وانقرض أمرهم من بلاد شلف ثم كانت لبني مرين الكرة الثانية إلى تلمسان وغلبوا آل زيان ومحوا آثارهم ثم فاء ظنهم بملك السلطان أبي عثمان وحسر تيارهم وجدد الناجون من آل يغمراسن دولة ثانية بمكان عملهم على يد أبي حمو الأخير ابن موسى بن يوسف كما نذكره في أخبارهم ثم كانت لبني مرين الكرة الثالثة إلى بلاد تلمسان ونهض السلطان عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن إليها فدخلها فاتح سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة وسرح عساكره في اتباع أبي حمو الناجم بها من آل يغمراسن حين فر أمامه في قومه وأشياعه من العرب كما يأتي ذلك كله ولما انتهت العساكر إلى البطحاء تلوموا هنالك أياما لإزاحة عللهم وكان في جملتهم صبي من ولد بن راشد الذبيح إسمه حمزة يتيما في حجر دولتهم لذمام الصهر الذي لقومه فيهم فكفلته نعمهم وكنفه جوهم حتى شب واستوى وسخط رزقه في ديوانهم وحاله بين ولدانهم واعترض بعض الأيام قائد الجيوش الوزير أبا بكر بن غازي شاكيا فجبهه وأساء رده فركب الليل ولحق بمعقل بني بوسعيد من بلاد شلف فأجاروه ومنعوه ونادى بدعوة قومه فأجابوه وسرح إليه السلطان وزيره عبد العزيز عمر بن مسعود بن منديل بن حمامة كبير يتريعن في جيش كثيف من بني مرين والجند فنزل بساحة ذلك الجبل حولا كريتا فحاصرهم ينال منهم وينالون منه وامتنعوا عليه واتهم السلطان وزيره بالمداهنة وسعى به منافسوه فتقبض عليه وسر وزيره الآخر أبا بكر بن غازي فنهض يجر العساكر الضخمة والجيوش الكثيفة إلى أن أنزل بهم وصبحهم القتال فقذف الله في قلوبهم الرعب وأنزلهم من معقلهم وفر حمزة بن علي في فل من قومه فنزل ببلاد حصين المنتقضين كانوا على الدولة مع أبي زيان بن أبي سعيد الناجم من آل يغمراسن حسبما نذكره وأتى بنو أبي سعيد طاعتهم وأخلصوا الضمائر في مغبتها فحسن موقعهم وبدأ حمزة في الرجوع إليهم فأغذ السير في لمة من قومه حتى إذا ألم بهم نكروه لمكان ما اعتقلوا به من حبل الطاعة فتساهل إلى البسائط وقصد تيمروغت يظن بها غرة ينتهزها فبرز إليه حاميتها ففلوا حدة وردوه على عقبه وتسابقوا في اتباعه إلى أن تقبضوا عليه وقادوه إلى الوزير ابن غازي بن الكاس فأوعز إليه السلطان بقتله مع جملة أصحابه فضربت أعناقهم وبعث بها إلى سدة السلطان وصلب أشلاؤهم على خشب مسندة نصبها لهم ظاهر مليانة ومحى أثر مغراوة وانقرض أمرهم وأصبحوا خولا للأمراء وجندا في الدول وأوزاعا في الأقطار كما كانوا قبل هذه الدولة الأخيرة لهم والبقاء لله وحده وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون لا رب غيره ولا معبود سواه وهو على كل شيء قدير.